07/01/2023 - 22:14

حوار مع د. أبو صالح | حكومة نتنياهو - بن غفير محصلة للشعور بالانتصار على الفلسطينيين

سيحاولون فرض حالة شبيهة بالحكم العسكري وإن كان ذلك سيحدث بشكل تدريجي وهذا سيحول إسرائيل إلى دولة أبارتهايد من البحر إلى النهر، حيث ستقوم بترسيخ الحكم الذاتي وتحوله إلى حالة دائمة مع انتقاص المزيد

حوار مع د. أبو صالح | حكومة نتنياهو - بن غفير محصلة للشعور بالانتصار على الفلسطينيين

(Gettyimages)

قد يكون التعبير الأكثر دقة لوصف الحكومة الإسرائيلية الجديدة، هو التعبير الذي استخدمه محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، عندما قال إنها حكومة بن غفير برئاسة نتنياهو، مضيفا أن بن غفير وليس نتنياهو هو من نجح في جذب الجنود والشبان الذين صوتوا للمرة الأولى، وأيقظ الخاملين وغير المبالين في "مدن التطوير" المهمشة، مثلما جذب ناخبي بيني غانتس وغدعون ساعر وحتى لبيد الذين راعتهم، على حد زعمه، مشاهد "حارس الأسوار" والعمليات في تل أبيب وإلعاد وبني براك.

ويشير هذا التوصيف الدقيق للواقع الإسرائيلي إلى إمساك أقصى اليمين، بصيغته الدينية الاستيطانية، بناصية السياسة الإسرائيلية وجلوس ممثليه الأكثر رداءة في مراكز صنع القرار وخلف مقود القيادة، وهي نقلة نوعية كبيرة لا تعود أسبابها إلى تضعضع في مركز اليمين الإسرائيلي الناتج عن ضعف نتنياهو بسبب ملفاته الجنائية فقط، بل إلى تحولات سياسية أيديولوجية يقف في مركزها الاستيطان والديمغرافيا دفعت هذه الفئات من هامش السياسة الإسرائيلية إلى مركزها.

ومن دون شك، فإن حكومة سموتريتش - بن غفير بقيادة نتنياهو تحمل في جعبتها العديد من المخططات التي لطالما حلمت إسرائيل بتنفيذها وتضع أمامنا كفلسطينيين تحديات مجابهتها.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الباحث في العلوم السياسية، د. ثائر أبو صالح، حول أبرز مخططات حكومة نتنياهو - بن غفير والتحديات التي تضعها أمامنا.

"عرب 48": ما هي أهم المخططات التي تسعى حكومة نتنياهو - بن غفير إلى تنفيذها في الساحتين المحلية والإقليمية؟

أبو صالح: بداية أود الإشارة إلى أن حكومة سموتريتش - بن غفير هي أفضل تجسيد للواقع اليهودي، إنها تجسيد للرؤية اليهودية التي ترى أنهم انتصروا على مختلف المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، وجاء الوقت لاستثمار هذه الانتصارات حتى يفرضوا واقعا جديدا داخل فلسطين.

د. ثائر أبو صالح

أنا أتوقع أن تعمل الحكومة الجديدة على كسر كل الحواجز التي كانت قائمة في السابق، فهي ستبدأ، مثلا، في فرض السيطرة اليهودية في المسجد الأقصى، وستقوم بأقل تقدير بفرض وجود شرعي لدخول اليهود لمحيط الحرم القدسي والصلاة فيه، حيث سيحاولون بكل قوة فرض الأمر الواقع وتثبيت نوع من التقاسم وإيجاد موطئ قدم. وبلا شك فإن اقتحام بن غفير الذي حدث مؤخرًا بغطاء رسمي يختلف عن الاقتحامات السابقة.

القضية الثانية التي سيحاولون كسرها تتعلق بكل مسألة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، الذي سيعملون على تحويله إلى جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، حيث سيقومون بضم مناطق من الضفة الغربية، مثلما فعلوا في الجولان، بواسطة ضم أراضي في الضفة الغربية مثل مناطق "ج" ومنطقة الأغوار، وبالتالي محاصرة الفلسطينيين في مدنهم وتجمعاتهم السكنية وتحويل قضيتهم من قضية وطنية إلى قضية مطالبة بالعيش والحقوق المدنية.

"عرب 48": أو ربما يقومون بسحب القانون الإسرائيلي على المستوطنات، كما طالبت العديد من الأصوات في الماضي...

أبو صالح: نعم، على كل المستوطنات، وبذلك يحولون القضية الفلسطينية من قضية شعب له حقوق وطنية وحق تقرير المصير في أرضه ووطنه، إلى قضية لاجئين في الدولة اليهودية يفترض إيجاد سبل العيش لهم، ربما عبر مساعدات تأتي من أميركا وأوروبا وغيرها من دول العالم.

أعتقد أن هذا سيكون الهدف الرئيسي لهذه الحكومة، لأن اليهودي العادي في الشارع قد ذوت في داخله بأن إسرائيل قد انتصرت، وأن الصراع بين الحركة الصهيونية والحركة القومية العربية قد وصل إلى نهايته بهزيمة الأخيرة وانتصار الدولة الصهيونية على مختلف الأصعدة والمستويات، وبالتالي فقد آن الأوان لترجمة هذه الانتصارات إلى إنجازات على أرض الواقع.

"عرب 48": وما هي مخططاتهم بالنسبة للفلسطينيين داخل الخط الأخضر؟

أبو صالح: سيحاولون إبقاء جذوة الخلافات القائمة بين الأحزاب السياسية مع المزيد من التضييق على حرية التعبير والعمل السياسي، وقمع البعد الوطني الفلسطيني عبر اتخاذ إجراءات وسن قوانين تقطع الانتماء السياسي لقضية الشعب الفلسطيني، تحت يافطة الولاء للدولة وغيرها من التسميات وربطها بالحقوق المدنية، وصولا إلى دفع الفلسطينيين داخل إسرائيل إلى قصر نشاطهم السياسي في القضايا المدنية.

سيحاولون فرض حالة أن تكون إسرائيليا يعني أن تكون إسرائيليا، ولن يقبلوا أن تكون إسرائيليا وتفكر وتتحدث وتنشط بالقضية الفلسطينية، وسيحاولون فرض ذلك بواسطة سن قوانين وتشريعات وفرض قيود على حرية التعبير واتخاذ إجراءات عقابية، وبالمقابل سيشجعون التيارات والمجموعات التي ستتبنى هذا التوجه، بمعنى استخدام سياسة العصا والجزرة.

"عرب 48": حالة التراجع والنكوص التي أصابت العمل السياسي تحت يافطة "التأثير" والتي توجت بدخول منصور عباس إلى الائتلاف الحكومي متخليا عن الثوابت الوطنية، ربما شجعت المؤسسة لوضع حدود جديدة سيجري تثبيتها، فلا نتخيل اليوم قيام عضو كنيست عربي بزيارة أسرى في السجون الإسرائيلية كما في السابق؟

أبو صالح: صحيح، ولكن ما يجري في المحيط العربي والساحة الفلسطينية شجعهم أيضا، فهم يرون أنهم تمكنوا من إخضاع العالم العربي كله، ولم يعد متمردا عليهم سوى العرب الذين يعيشون داخل إسرائيل، ولذلك يجب إخضاعهم أيضًا.

سيحاولون فرض حالة شبيهة بالحكم العسكري، وإن كان ذلك سيحدث بشكل تدريجي، وهذا سيحول إسرائيل إلى دولة أبارتهايد من البحر إلى النهر، حيث ستقوم بترسيخ الحكم الذاتي وتحوله إلى حالة دائمة مع انتقاص المزيد من صلاحيات السلطة الفلسطينية في الضفة.

"عرب 48": ربما يسعون إلى تحويل احتلال 67 إلى أمر واقعي وشرعي على غرار مناطق 48، حيث اكتسبت إسرائيل شرعية دولية رغم أنها لم تلتزم بحدود التقسيم وقامت عمليا باحتلال أجزاء واسعة من أراضي الدولة الفلسطينية التي كان يفترض أن تقوم...

أبو صالح: إنهم يستغلون ما يحدث في العالم العربي وفي الساحة الفلسطينية إلى أبعد الحدود، ومن المفارقة أن يتزامن الحديث عن التطبيع مع السعودية مع الإعلان عن حكومة نتنياهو - بن غفير، ولا نستغرب ذلك لأن السعودية كانت قد سمحت للطيران الإسرائيلي بالمرور من أجوائها قبل التطبيع مع الإمارات، الذي ما كان ليمر لولا وجود ضوء أخضر من السعودية.

واليوم نتحدث عن غالبية دول الخليج والأردن ومصر والسودان والمغرب فعليا، جميعها أقامت علاقات مع إسرائيل دون تدفيعها أي ثمن. في المقابل، إذا نظرنا إلى الدول المتبقية من سورية والعراق ولبنان إلى اليمن وليبيا نجد أن جميعها أو غالبيتها تنهكها الحروب والأزمات الداخلية.

وفلسطينيا، نرى أنه بالإضافة إلى الانقسام القائم بين الضفة وغزة بسبب الصراع الدائر على السلطة بين فتح وحماس، هناك صراع في طريقه إلى الاحتدام داخل حركة فتح نفسها على وراثة محمود عباس.

إسرائيل تستغل كل ذلك وتصب الزيت على نار الصراعات والأزمات العربية والفلسطينية، ولا يعجبها أن يبقى الفلسطينيون في إسرائيل بمأمن من هذه النزاعات، فتحاول نقل العدوى إليهم ويبدو أنها تحقق نجاحات في هذا المجال.

"عرب 48": هل تعتقد أن نتنياهو في ولايته الأخيرة، كما يبدو، المعززة بأجنحة اليمين المتطرف، سيحاول تمرير ما أراده دائمًا في تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران في محاولة لتدمير مشروعها النووي؟

أبو صالح: لا أعتقد أن حكومة نتنياهو ستجازف بالقيام بمغامرة عسكرية ضد إيران، هم يعرفون أن إيران ليست دولة صغيرة، ولذلك فإنهم لا يستطيعون إنهاء الموضوع بضربات من الجو، خصوصًا وأن إيران أخذت احتياطاتها سلفًا مستفيدة من تجارب إقليمية سابقة. هذا إضافة إلى الأوراق الكثيرة التي تملكها إيران في المنطقة والتي تخشى إسرائيل من تفعيلها، مثل حزب الله وامتداداته في الساحة السورية والساحة الفلسطينية.

لذلك هم سيحاولون استغلال "الانتفاضة" الداخلية لفرض اتفاق نووي بشروط أفضل لإسرائيل، بالإضافة لمحاولة تحجيم دورها الإقليمي وفرض انسحاب إيراني في الملف السوري والملف اليمني، وبالتالي إضعاف كل ما يسمى بمحور المقاومة أكثر فأكثر.

نحن نرى ما آلت إليه الأوضاع في سورية، ونرى الأزمة الداخلية التي تضرب لبنان التي تضعه كدولة على شفا الانهيار، وهو ما يقيد أيدي حزب الله ويمنعه من إدخال لبنان إلى أي معمعة عسكرية أو حرب، لذلك هو اضطر إلى "بلع الموس" في تمرير اتفاق الغاز مع إسرائيل، كما نرى "الانتفاضة" الداخلية في إيران التي وإن كانت بعيدة عن زعزعة أركان النظام فهي تشغله بقضايا داخلية.

"عرب 48": ماذا بالنسبة للوضع الداخلي والانقسام الذي أدخلت الانتخابات الأخيرة والحكومة التي أفرزتها المجتمع الإسرائيلي فيه بين علمانيين ومتدينين، هل ممكن أن يكون له تداعيات سياسية على إسرائيل؟

أبو صالح: أعتقد أنه طالما بقيت إسرائيل تتعرض لتهديد أمني، فإن ذلك سيحيد جميع الخلافات والتناقضات الداخلية، مع العلم بأنه قد تكون مشكلة عند "المتنورين" بأن تتحول إسرائيل إلى دولة أبارتهايد، أو تخوف لدى العلمانيين بأن تتحول إلى دولة "شريعة يهودية"، فإن التيار اليميني قوي جدًا كما أن اليمين المتطرف هو المسيطر على اليمين.

وما حدث من تولي سموتريتش للإدارة المدنية، وتقسيم للشرطة وإسناد حقيبة "الأمن القومي" لبن غفير هي عملية واضحة تشير إلى محاولة الإمساك بالدولة بما يتناسب مع مصلحة اليمين، ولا أعرف إلى أي حد يمكن لـ"المتنورين" أن يقفوا أمام هذا المد، خصوصا إذا ما حقق إنجازات على مستوى القضية الفلسطينية وعلى مستوى التطبيع مع العالم العربي.

"عرب 48": ماذا تقصد بإنجازات على مستوى القضية الفلسطينية؟

أبو صالح: تصور أن تحظى مناطق في الضفة الغربية يقوم اليمين بضمها باعتراف دولي، فهذا سيعتبر "إنجازا تاريخيا" لإسرائيل في السيطرة على فلسطين التاريخية.

"عرب 48": هناك من يعتقد أن نتنياهو انحنى أمام سموتريتش وبن غفير بسبب حاجته لهما في الخلاص من ملفاته الجنائية، وأنه بعد الانتهاء من هذه الملفات سيتخلص منهما بطريقة ما وربما يقيم حكومة مع بيني غانتس؟

أبو صالح: نتنياهو لا يختلف عنهما سياسيا، ربما الفرق أنه بسبب تجربته السياسية أكثر حساسية للرأي العام الدولي ولسمعة إسرائيل في العالم، وبالتالي هو لا يظهر ما يضمر ولكنه في الجوهر يريد تحقيق الأهداف السياسية ذاتها التي يريدها بن غفير وسموتريتش، وربما هي فرصته لكسر "تابوهات" ما كان يستطيع كسرها بـ"سياسة نظيفة".

التعليقات